اليمن في دائرة الحرب المعلقة: اقتصاد يترنح بين الأزمات

أ‌. مرسل محمد الشبيبي

اليمن اليوم يعيش مرحلة حرجة يمكن وصفها بـ”اللاحرب واللاسلم”، مرحلة لا تُسمع فيها أصوات المدافع كما في سنوات الحرب الأولى، لكنها أيضًا لم تصل إلى بر السلام، هذه الحالة الرمادية تركت الاقتصاد اليمني معلقًا بين الانهيار والأمل لا أمن مستقر ولا حرب شاملة، بل حالة انتظار طويلة الأمد استنزفت الموارد وضيّقت الخيارات، ومعها تفاقمت معاناة الناس بشكل غير مسبوق.

ففي هذه المرحلة من الحرب المعلقة لدى كل طرف نظامه المالي والضريبي والجمركي المفروض على مناطق سيطرته وكذلك بنكه المركزي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع (ارتفاع تكلفة سلاسل التوريد)، صعوبة التجارة بين المناطق، وتذبذب العملة المحلية، وجعل المستثمرين يترددون في دخول الأسواق المحلية ويفضلون الهجرة خارج حدود البلد، وقاد ذلك الى إفلاس وفشل الكثير من المشاريع التجارية وخاصة الناشئة والصغيرة حتى أنها امتدت لتشمل بعض المشاريع الكبيرة ذات التاريخ الطويل، كما تعمّق الانقسام الاقتصادي وجعل الاقتصاد هشًا يعتمد على المساعدات والتحويلات بدل النمو الذاتي.

ونظراً لطول هذه الفترة فقد تراجعت المساعدات الانسانية الدولية التي كانت طوق النجاة لملايين اليمنيين، فمع طول أمد الصراع وتراجع الاهتمام العالمي، بدأت المنظمات الدولية بتقليص دعمها تدريجيًا، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء، وزيادة اعتماد الأسر على آليات التأقلم القاسية مثل بيع الممتلكات أو تقليل الوجبات اليومية بعد استنزافهم لكل مدخراتهم خلال سنوات الحرب.

للأسف اليمن اليوم جرح مفتوح، تلتقي فيه كل الشدائد بالإضافة الى الانقسام الاقتصادي وتراجع المساعدات الإنسانية الدولية فقد انكمشت تحويلات المغتربين التي كانت مصدر دعم أساسي للاقتصاد الوطني، بل وعامل استقرار نسبي لآلاف الأسر، إلا أن هذه التحويلات شهدت تراجعًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، لأسباب تتعلق بالظروف الاقتصادية وسياسات الاستثمار في بلدان المهجر وتشديد الرقابة على التحويلات، إن انخفاض هذا الشريان المالي أدى إلى تراجع القوة الشرائية وركود الأسواق المحلية، علاوة على ذلك، يستمر نزيف هجرة رأس المال الوطني إلى الخارج بحثًا عن ملاذات آمنة في دول الجوار وبعض البلدان العربية والإسلامية، مما يزيد من عمق جرح الاقتصاد ويقضي على آخر آمال الإنقاذ.

شمالًا وجنوبًا، ما زالت أزمة المرتبات الحكومية تضرب الموظفين بلا رحمة، ملايين العاملين باتوا بلا دخل ثابت، ما أدى إلى توسع رقعة الفقر وتدهور الطلب الداخلي، وأصاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالشلل، فالموظف الذي كان عماد الاستقرار الاقتصادي أصبح اليوم رمزًا للأزمة وعنوانا للفقر.

إلى أين؟

أفق مظلم وحلول غائبة وحكمة يمانية ضائعة للأسف جعلت اليمن في وضعه الراهن (الحرب المعلقة) لا يخسر فقط فرص السلام، بل يخسر يوميًا مناعته الاقتصادية، إن استمرار هذا الوضع يعني مزيدًا من الفقر، تراجعًا في التحويلات، تقلصًا في المساعدات، وتآكلًا للطبقة المتوسطة وتدميراً للبنية التحتية واستهلاكاً لما تبقى من موارده بالإضافة الى كارثة تفشي الجهل والأمراض والتي تحتاج إلى سنوات للتعافي بعد إيقاف الحرب.

اليمنيون اليوم لا يطالبون برفاهية ولا حتى بازدهار اقتصادي، بل بأبسط حقوقهم: سلام حقيقي يعيد لهم مرتباتهم، يعيد الثقة لأسواقهم، ويفتح الباب لإعادة الإعمار والتنمية.

فاللاحرب واللاسلم ليست سوى حرب مؤجلة، لكنها أكثر قسوة لأنها تقتل بصمت، وتستنزف حياة الناس يومًا بعد يوم.

اخبار ذات صلة